تحليل قصيدة المساء لخليل مطران، خليل مطران هو لبناني الأصل، وهو شاعر كان يُلقب باسم شاعر القطرين، فقد ولد الشاعر خليل مطران في عام 1872م، فقد كان يمزج بين الحضارة العربية والأجنبية في شعره الذي كان يؤلفه والذي كان يعمل الكثير من المعاني الشعرية، وقد عمل الشاعر خليل مطران مترجماً ومؤرخاً، فكان شخص غزير بالعلم وكان من الأشخاص المهتمين بالأدب الفرنسي، وكان لهُ اهتمامات خاصة بالأدب العربية والتراث، وقد حاول الشاعر خليل مطران توصيل رسالته بتجديد الشعر العربي والأدب، فهو كان رواد من قاموا بأغراض القصيدة العربية التقليدية والبنية العربية الشعرية، وقد كتب الشاعر خليل بطران الكثير من القصائد الشعرية الجميلة ومن هذه القصائد قصية المساء، وسنوضح من خلال هذا المقال تحليل قصيدة المساء لخليل مطران.
قصيدة المساء لخليل مطران

- مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي
- يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا
- فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
- قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى
- وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ
- وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ
- فِي حَالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ
- وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نُورَهُ
- كَدَرِي وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي
- هَذَا الَّذِي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي
- مِنْ أَضْلُعِي وَحَشَاشَتِي وَذَكَائِي
- عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْ أَنْصَفْتِنِي
- لَمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِي وَبُكَائِي
- عُمْرَ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرَ مُخَلَّدٍ
- بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ في الأَحْيَاءِ
- فغَدَوْتَ لَمْ أَنْعَمْ كَذِي جَهْلٍ وَلَمْ
- أغْنَمْ كَذِي عَقْلٍ ضَمَانَ بَقَاءِ
- يَا كَوْكَباً مَنْ يَهْتَدِي بِضِيائِهِ
- يَهْدِيهِ طَالِعُ ضِلَّةٍ وَرِيَاءِ
- يا مَوْرِداً يَسْقِي الوُرُودَ سَرَابُهُ
- ظَمَأً إِلى أَنْ يَهْلِكُوا بِظَمَاءِ
- يَا زَهْرَةً تُحْيِي رَوَاعِيَ حُسْنِهَا
- وَتُمِيتُ نَاشِقَهَا بِلاَ إِرْعَاءِ
- هَذا عِتَابُكِ غَيْرَ أَنِّيَ مُخْطِيءٌ
- أَيُرَامُ سَعْدٌ فِي هَوَى حَسْنَاءِ
- حَاشَاكِ بَلْ كُتِبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْورَى
- وَالْحُبُّ لَمْ يَبْرَحْ أَحَبَّ شَقَاءِ
- نِعْمَ الضَّلاَلَةُ حَيْثُ تُؤْنِسُ مُقْلَتِي
- أَنْوَارُ تِلْكَ الطَّلْعَةِ الزَّهْرَاءِ
- نِعْمَ الشَّفَاءُ إِذَا رَوِيْتُ بِرشْفَةٍ
- مَكْذُوبَةٍ مِنْ وَهْمِ ذَاكَ المَاء
- نِعْمَ الْحَيَاةُ إذا قضَيْتُ بِنَشْقَةٍ
- مِنْ طِيبِ تِلكَ الرَّوْضَةِ الغَنَّاءِ
- إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى
- فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي
- إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَائِهَا
- أَيُلَطَّف النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ
- أَوْ يُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامَهَا
- هَلْ مَسْكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ
- عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ
- فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ
- مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد
- بِكَآبَتِي مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي
- شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي
- فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
- ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي
- قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
- يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي
- وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي
- وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ
- كَمَداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ
- تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَّهَا
- صَعِدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي
- وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ
- يُغْضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
- يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ
- للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي
- أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِ وَصَرْعَةً
- لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ
- أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْعَثاً
- للِشَّكِّ بَيْنَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ
- أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَدىً
- وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ
- حَتَّى يَكُونَ النُّورُ تَجْدِيداً لَهَا
- وَيَكونَ شِبْهَ الْبَعْثِ عَوْدُ ذُكَاءِ
- وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالنَّهَارُ مُوَدِّعٌ
- وَالْقَلْبُ بَيْنَ مَهَابَةٍ وَرَجَاءِ
- وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي
- كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي
- وَالدَّمْعُ مِنْ جَفْنِي يَسِيلُ مُشَعْشَعاً
- بِسَنَى الشُّعَاعِ الْغَارِبِ المُتَرَائِي
- وَالشَّمْسُ فِي شَفَقٍ يَسِيلُ نُضَارُهُ
- فَوْقَ الْعَقِيقِ عَلى ذُرىً سَوْدَاءِ
- مَرَّتْ خِلاَلَ غَمَامَتَيْنِ تَحَدُّراً
- وَتَقَطَّرَتْ كَالدَّمْعَةِ الحَمْرَاءِ
- فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ
- مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي
- وَكأَنَّنِي آنَسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً
- فَرَأَيْتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي
تحليل قصيدة المساء لخليل مطران

يشرح الشاعر من البيت الأول إلى البيت الخامس تحدّث الشاعر عن مرض ألم به، ويظن أن ألم المرض يشفيه من ألم الحب، ولكنـه عذابـه يـزداد، فيشتكي القلـب والجسـد حزنـاً وألماً، فهمـا ضعيفـان فـي غمـرة الحـب والمرض، يضارعان هذا وذاك، فلم بيق على قيد الحياة روح واهنة منهكة من حزن اعمى القلب ومرض هدّ الجسد، وبسبب هذا، يصعب على الشاعر ان يرى الامور واضحة.
يشرح الشاعر من البيت السادس إلى البيت السادس بنصيحة أصدقاء له، فينتقل إلى الإسكندرية طلباً للاستجمام والراحة، فهناك الهواء العليل والطبيعة الجميلة التي تساعد الجسم على التحسين، إلا إن الفراغ قد أشغل نيران الحب في قلبه، وتشتغل اللوعة في داخله، فتزداد حالة سواء حين تجتمع عليه حمى المرض وحمي الحب لتنهك جسده الضعيف.
يشرح الشاعر من البيت العاشر إلى البيت العشرين ففي هذه الأبيات يقف الشاعر على شاطئ البحر شاكياً لهُ مشاعره واضطراب أفكاره وآلام نفسه، فيغمغم المساء دون كلام واضح، وتزيد حيرة الشاعر وحزنه، ويتمنى لو يشتد قلبه ويصبح صخراً، وعندما يشعر بالألم يحتاج جسمه يلف السواد نظره، وتذبل روحه، ويأكل المرض ما تبقى من صحته.
يشرح الشاعر من البيت الحادي والعشرين إلى البيت السابع والعشرين وعندما يحل المساء، يختلط اليأس بالأمل والخوف بالرجاء، ويتذكر الشاعر
محبوبته التي يتصورها وكأنها ماثلة أمامه، وبين حمرة الشفق والبحر تنحدر الدموع من عينه متزامنة بانحدار الشمس نحو الغروب، متمثلة بذلك صورة واضحة للحزن الداخل الذي يسيطر على الشاعر.
يشرح الشاعر من البيت الثامن والعشرين إلى البيت الأربعون الحالة النفسية، وقد نراه يرسم صورة حزينة يمثلها بكل العناصر من حوله، فإن الشمس والليل والغروب والبحر، يرسم الصور الفنية التي
لا يمكن أن تدل إلا على الألم الذي يسيطر على نفسه وجسده الهزيل، فيشبه البحر بالإنسان المضطرب، والمساء بالشخص الحائر، ويربط حزنه بالألم المنشر في جسمه، فينتشران معاً في جميع أعضاء الجسم، ليحزن القلب والجسم والعقل والروح معا ويمزج بين نفسه وعناصر الطبيعة ليدور بينهما الحوار، فتتحرك الحياة في الطبيعة لتحاوره، وتتحرك حوله، ويتّخذ منها أصدقاء يشاركونه مشاعره وألمه وغربته ووحدته.