اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، مع دخول شهر شعبان، كثر تداول الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين فضل شهر شعبان، وكذلك تبشر باقتراب الأيام المباركة لشهر رمضان، ويحبّذ المسلمون غالبًا التثبّت من درجة صحّة الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لضمان مشروعية الأخذ بها والعمل بما جاء فيها، ومن هذه الأحاديث المتداولة حديث اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان

من الأقوال المأثورة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الأشهر القليلة التي تسبق شهر رمضان المبارك هو الدعاء ب”اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان”، وفي التثبّت من صحّة هذا الحديث الذي يسعى إليه المسلمون دائمًا من أجل الثبات على العمل بالسنة الثابتة، فقد ورد أن هذا الحديث ضعيف، ولا يصح كحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل شهر رجب، بينما لا بأس في أن يعو المؤمن ربه أن يبلّغه شهر رمضان، وبحسب ما أورد الشيخ بن عثيمين رحمه الله، أنه لم يرِد حديثًا صحيحًا في فضل شهر رجب، حيث أن شهر رجب لا يمتاز عن الشهر الذي يسبقه وهو جمادى الآخرى سوى أنه من الشهر الحرم فقط، وليس فيه صيامًا مشروعًا، ولا عمرة مشروعة كذلك، ولا أي نوع من العبادات المشروعة، مثل مثل بقية الشهور الهجرية.
درجة حديث “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”

روى هذا الحديث عبد الله بن الإمام أحمد في “زوائد المسند”، وكذلك الإمام الطبراني في “الأوسط”، والبيهقي في “الشعب”، كما رواه أبو نعيم في “الحلية”، وكان نص الرواية كما يلي: من طريق زَائِدَة بْن أَبِي الرُّقَادِ قَالَ: نا زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ قَالَ: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ، وَشَعْبَانَ، وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ)
وأجمع العلماء الحديث أن إسناد هذا الحديث ضعيف، حيث أن زياد النميري ضعيف، ضعفه ابن معين، كما قال أبو حاتم أنه لا يحتج به، وكذلك ذكره ابن حبان في الضعفاء وذكر أنه لا يجوز الاحتجاج به.
غير أن زائدة بن أبي الرقاد أشد ضعفا من زياد التميري، فقال أبو حاتم: يحدث عن زياد النميري عن أنس، أحاديث مرفوعة منكرة، ولا ندري منه أو من زياد. بينما قال البخاري والنسائي: منكر الحديث، وذكره في الكنى أنه ليس بثقة، كما وذكر فيه ابن حبان أنه يروي مناكير عن مشاهير، لا يحتج بخبره، ولا يكتب إلا للاعتبار، وقال عنه ابن عدي: يروي عنه المقدمي وغيره أحاديث إفرادات، وفي بعض أحاديثه ما ينكر.
كما حكم النووي بضعف الحديث في “الأذكار”، وكذلك فعل ابن رجب في “لطائف المعارف”، كما وضعّفه الألباني في “ضعيف الجامع”، في حين قال الهيثمي في مجمع الزوائد: “رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرُّقَادِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَجَهَّلَهُ جَمَاعَةٌ “.
حكم الدعاء بأن يبلغنا رمضان

قيل من قبل علماء الدين أنه لا بأس في أن يدعو المسلم بأن يبلغه الله رمضان، حيث قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان وتسلمه مني، متقبلا.”
وفي سؤال تم توجيهه للشيخ عبد الكريم الخضير حول صحّة الحديث: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان”، فكانت إجابته أنه حديث لا يثبت، لكن لا بأس في دعاء المسلم بأن يبلغه الله تعالى رمضان، وأن يرزقه ويوفقه في صيامه وقيامه، وكذلك يوفقه من أجل إدراك ليلة القدر، أي أنه لا بأس بأن يدعو المسلم أدعية مطلقة دون أن تنسَب بضعفها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل أنه يجوز للمسلم الدعاء باللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، حيث يعتبر من جملة الدعاء المشروع، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ، قَالَ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَبَارِكْ لَنَا فِي رَمَضَانَ”. وفي رواية أخرى: وبلغنا رمضان، وهو حديث إسناده ضعيف.