تواصل أسعار النفط التحليق نحو أعلى مستوياتها في 14 عامًا على الرغم من البدء في تحسين سلاسل الامداد، ولكن تداعيات استمرار غزو روسيا لأوكرانيا يُلقى بظلاله على علاقات العرض والطلب غير المتوازنة تمامًا.
مع بدء الدول التي تعاني من عدم التوازن في تغيير سلاسل الامداد الخاصة بها، هل يمكن أن يتحقق الاستقرار قريبًا؟ أم أنه على ما يبدو أن الصين الصاعدة والصراع الذي لا ينتهي سيخلقان قاعدة دائمة أعلى للسلعة الرئيسية؟
تاريخياً، ارتبط اتجاه أسعار تداول النفط بأحداث سياسية واقتصادية أوسع نطاقاً، بما في ذلك أزمة منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في عام 1973 والركود الذي سببته الأزمة المصرفية من عام 2007 إلى عام 2008ـ كما أن الأسعار عرضة للتأثيرات الموسمية أيضًا على أساس تقلب الطلب من أجل التدفئة.
قبل جائحة كوفيد 19، كان النفط يتمتع بخمس سنوات من الأسعار المنخفضة نسبيًا، وبلغت ذروتها عند حوالي 75 دولار في أكتوبر 2018، ولكنها كانت تتراوح عادةً بين 40 و 60 دولار بين عامي 2015 و 2020، وكانت هناك فترات من ارتفاع الأسعار المرتبطة بتداعيات الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
ولكن الظروف التاريخية خلال جائحة كوفيد 19 أدت إلى انخفاض كبير في الطلب على السفر ونقل البضائع، وتحولت أسعار السلعة إلى المنطقة السلبية لفترة وجيزة في أبريل 2020، ووصلت الأسعار إلى 37.63 دولار في 20 أبريل حيث حاول المنتجون التخلص من فائض البراميل.
شرعت السلعة في دفع نفسها تدريجيًا إلى المنحنى الصعودي مرة أخرى مع تخفيف القيود والاقتراب من فصول الشتاء حيث يتزايد الطلب على التدفئة خلال عامي 2020 و 2021، ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى ارتفاع أسعار النفط التي وصلت إلى أعلى المستويات التي شوهدت لآخر مرة خلال الانهيار المالي لعام 2008، حيث ارتفع السعر بأكثر من 61% في العام حتى الآن متجاوزًا 120 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2008.
محركات الأسعار الرئيسية

1 .الصراع الروسي الأوكراني المستمر

كان للغزو الروسي لأوكرانيا تأثير غير مباشر على كل فئة من فئات الأصول بدءًا من الأسهم إلى المعادن الثمينة، ومع ذلك، ربما كان تأثيره محسوسًا بشكل أكبر في قطاع الطاقة، حيث تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد السعودية والولايات المتحدة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، كما أنها أكبر مصدر للنفط في العالم.
وأعقب الحظر الأمريكي على النفط الروسي في مارس موافقة الاتحاد الأوروبي على حظر 90% منه بنهاية العام الجاري، ما أدى إلى زيادة الضغط على الأسعار العالمية، يبدو أن حل الصراع غير مرجح على المدى القصير، مما يعني أن أسعار النفط العالمية قد تظل مرتفعة.
تناقش دول مجموعة السبع حاليًا حدًا محتملاً لسعر النفط الروسي، والذي إذا تمت الموافقة عليه، فمن المحتمل أن يتم فرضه من خلال قيود على توافر الخدمات الأوروبية مثل التأمين على شحنات النفط الروسية، وتهدف هذه الخطوة إلى تقليص عائدات روسيا “بشكل حاد” بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا.
ولكن من المحتمل أن يستغرق الأمر بعض الوقت للتوصل إلى اتفاق، سيتطلب ذلك من الاتحاد الأوروبي إعادة التفاوض بشأن الجولة الأخيرة من العقوبات، وقد تكون بعض الدول الأعضاء مترددة في القيام بذلك، بالنظر إلى المدة التي استغرقتها دول الاتحاد الأوروبي في الأصل لإنهاء حظر النفط الروسي.
2 .أوبك تواجه الضغط

تخوض أوبك معركة منذ شهور مع الدول الغربية بشأن السرعة التي تشحن بها إمداداتها من النفط، يمتلك منتجو النفط ما يقرب من 80 % من احتياطيات النفط الخام في العالم.
وافق التحالف على سحب 10 ملايين برميل يوميًا من السوق في أبريل 2020 لمواجهة انخفاض الطلب مع توقف الإنتاج والسفر في جميع أنحاء العالم، لا تزال أوبك في خضم إعادة تقديم الإمدادات إلى السوق، حيث أنها مترددة في القيام بذلك بالوتيرة التي يطلبها الحلفاء الغربيون.
3 .الدول المعاقبة تخرج إلى العلن

تُمنح الدول التي كانت محصورة في السابق من الأسواق الغربية الأمل في أن الحرب في أوكرانيا قد أوجدت نافذة من الفرص.
كانت هناك تقارير عن رفع القيود المفروضة على فنزويلا للدخول في مقايضات النفط بالديون، حيث قالت مصادر لرويترز إنه قد يتم رفع الحظر عن بعض الشركات في وقت مبكر من شهر يوليو، فنزويلا التي تمتلك أكبر إمدادات نفطية في العالم وفقًا لشركة بريتيش بتروليوم قد يكون لدخولها مجددًا إلى سوق النفط العالمية تداعيات خطيرة على سعرها، ومن المتوقع أيضًا أن تزيد الولايات المتحدة كمية النفط التي يُسمح لإيران بشحنها.
لكن أعرب البعض عن شكوكهم حيال تصعيد صادرات النفط الإيراني في المستقبل القريب، حيث يروا بأنه لن تزداد الصادرات إلا مع بداية العام المقبل، وفقًا لدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، من المقرر أن تستأنف المحادثات النووية الإيرانية في الأيام المقبلة بعد فشلها في وقت سابق من هذا العام.
بالنظر إلى قوة أسعار النفط، قد تشعر إيران أنها في وضع أقوى عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات، كانت النقطة العالقة في المحادثات هي رغبة إيران في إزالة الحرس الثوري الإسلامي من قائمته الإرهابية.
وبالنظر إلى أن المحادثات التي كانت متقطعة خلال العام الماضي أو نحو ذلك، فإنه من المتوقع أن تستمر المناقشات على الأرجح، ولذا فإننا نفترض أن إمدادات النفط الإيراني ستبدأ في الزيادة فقط في أوائل عام 2025.
في غضون ذلك، قال وزير المالية الفرنسي “برونو لو مير” إن بلاده تتحدث مع دبي بشأن استبدال الخام الروسي بواردات من دولة الإمارات العربية المتحدة، يمكن لكل من هذه السبل أن تعمل على خفض أسعار النفط المتوقعة.
الصين تكثف العرض

وقد تضاءلت الفوضى التي تكشفت في الأشهر الأخيرة بسبب انخفاض الطلب خلال فصلي الربيع والصيف، ولكن مع اقتراب فصل الشتاء سيرتفع الطلب على النفط لتدفئة المنازل مما يرفع سعره، وذلك وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، لكن هذه العوامل يمكن أن تتضاءل بالمقارنة مع الزيادة الطفيفة في الطلب من قبل الصين.
أظهرت دراسة حديثة صادرة في مايو أن الصين شهدت أطول انخفاض مستدام في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ عقد، وقد ساهمت الزيادات في استخدام الطاقة النظيفة جزئياً في هذا الانخفاض، لكن الأسباب الرئيسية كانت التباطؤ في البناء والإغلاق المستمر مما أدى إلى انخفاض الطلب على النفط.
ومع استئناف الحياة الطبيعية، يمكن أن يؤدي الارتفاع الكبير في الطلب الصيني إلى مزيد من المشاكل للمضي قدمًا في النفط.
ما المتوقع لأسعار النفط؟

تعتبر أسعار النفط متقلبة، ويستند اتجاهها المستقبلي إلى تطورات غير متوقعة للغاية بين روسيا وأوكرانيا، على المدى القصير، فإن توقعات أسعار النفط لمعظم الخبراء هي أن السعر قد يستمر في الارتفاع، على الرغم من أن سعره قد ينخفض على المدى الطويل.
كانت الأسعار ترتفع قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا حيث عاد الطلب أسرع من العرض إلى الاقتصاد العالمي، وقد أدى الصراع المستمر إلى ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوياته في 14 عامًا حيث أصبح العرض غير مؤكد بشكل متزايد.